ظاهرة شغب الملاعب..الأسباب والحلول
مقدمة
تعتبر ظاهرة العنف والشغب في الملاعب الفلسطينية أقل عنفًا وحدة مما هي عليه في الملاعب العربية والغربية، ولكن بالرغم من ذلك نرى أنها أخذت تتزايد في وسطنا الرياضي خلال السنوات الأخيرة، وفي الملاعب الرياضية تمارس الرياضة بكل أنواعها، وتحديداً في ملاعب كرة القدم؛ لأن هذه اللعبة تعتبر اللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم ويحضرها جماهير غفيرة من كل الطبقات، والفئات، والثقافات، والميول الرياضية في موقع واحد، وكثيراً ما يصاحبه حدوث مشاحنات كلامية أو توتر عصبي لأي موقف طارئ قد يؤدي في النهاية إلى حدوث شغب بين أفراد الجمهور أو بينهم وبين القائمين على أعمال التنظيم داخل الملاعب الرياضية سواء كانوا من المدنيين أو من أفراد الشرطة. وينتشر الشغب في كثير من الأحيان إلى أبعد من محيط الملاعب فيظهر في الشوارع ووسائل النقل عن طريق استخدام السيارات بشكل غير حضاري وإطلاق الأصوات المزعجة وتعطيل السير، وهو ما ينتج عنه الإخلال بالأمن وتدمير الممتلكات. فالذي يحدث بصورة عامة من شغب يعبر عن ثقافة مكتسبة وسلوك مفتعل ولكن لا يخفى تأثير الواقع الاجتماعي والاحداث التي نعيشها كل يوم على مدى ظهور هذا السلوك غير المقبول ليس في الرياضة فحسب بل في المجتمع ككل، وعلى الرغم من التطور الهائل في مجالات علم النفس وكلها محاولات هامة وضرورية لإثراء معرفتنا بهذا العلم واتجاهاته العالمية، إلا أنه ما زال هناك قصور واضح في توظيف هذه الامكانات والدراسات البحثية في المجال الرياضي.
وظاهرة الشغب هي ظاهرة سلوكية واسعة الانتشار تشمل العالم بأسره وتختلف صوره من مجتمع لآخر، وقد شهدت السنوات الاخيرة ظاهرة عنف وشغب بين أوساط المشاهدين للرياضة في الملاعب والذي ظهر بصور مختلفة منها التهجم والتعدي والتشابك بالأيدي، وعدوان لفظي من سب وشتم والصراخ والاصوات العالية في التشجيع والضرب والتعدي بأساليبه المختلفة على الجمهور المقابل تعبيراً عن عدم الرضاء عن الاداء، وكل هذه الصور هي مفاهيم خاطئة التصقت بالرياضة، فكم من أنسان فقد حياته أو اصيب اصابة بالغة خلال مشاهدته لأحدى المباريات الرياضية. بل تعدى الأمر إلى الحد الذي أخرج الرياضة عن مفهومها الصحيح والمتعارف عليه بأنها رسالة محبة وسلام ومجال للتعارف بين الأفراد والشعوب، مما أدى إلى بروز ظاهرة تهدد وبقوة المنافسات الرياضية إلا وهي ظاهرة شغب الملاعب. ويتأسس على ما سبق وجود بعض المفاهيم والمدركات الخاطئة للرياضة والتعبير عن الانتماء إلى بعض أنماطها مما أدى إلى تدهورها بشكل ملحوظ، وهذه الظاهرة ليست حديثة في المجال الرياضي وإنما هي ظاهرة قديمة قدم الرياضة التنافسية ، وللكن الجديد هنا هو تعدد مظاهر العنف والشغب وتغير طبيعته , حيث أصبحت هذه الظاهرة تتعدى حدود الملاعب الرياضية , فالكثير من الجماهير الرياضية أخذت تتصرف بعد الفوز أو الخسارة بطريقة غير حضارية عن طريق الاعتداء على الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم أو بممتلكاتهم .
- أسباب شغب الملاعب
- الجماهير في الملاعب :فهذه الجماهير قد تلجأ إلى التشجيع الغوغائي والهتافات غير التربوية وشتم وسب اللاعبين أحيانا ومحاولة إثارة الجماهير ضد الجماهير المضادة لثقتهم الزائدة في الفرق التي يشجعونها وان ناديهم هو أعظم نادي بينما باقي الأندية اقل مستوى .
- اللاعبون في المباريات :حيث أن تصرفاتهم في الملاعب من أهم العوامل المؤدية إلى الشغب الذي تقوم به الجماهير المتعصبة وأحيانا يقومون بإشارات تدل على عدم الرضا بمستوى التحكيم او مستوى اللعب كما أنهم يقومون أحيانا بحركات لا أخلاقية أمام الجماهير أو يرفضون استلام الجوائز أو يعتدون على الحكم أمام الجماهير .
- الحكام :يعتبر الحكام بمثابة الشرارة التي تفجر المواقف في الملاعب كما أنهم أكثر العناصر تعرضا للاعتداء من اللاعبين أو الجماهير ويعتبرون كبش الفداء لفشل الفرق وعليهم تقع مسئولية الهزائم للفرق المتنافسة
- الإداريون في الأندية :فبعد أن كانوا مثلا للخلق الرياضي أصبحوا عاملا من عوامل التعصب ومن ثم وجود الشغب في الملاعب الرياضية ويأتي ذلك بسحب الفرق من بعض المباريات أو إصدار التصريحات الصحفية الاستفزازية تجاه الفرق الأخرى وكأنها معاقل للإرهاب وأحيانا تكون هناك خلافات بين أعضاء نادي واحد وتكون المباريات الرياضية مجالا للانتقام مع الذي يختلفون معهم .
- الإعلاميون الرياضيون :لقد كان الإعلام الرياضي خير دعم وسند لتطور الرياضة التنافسية إلا انه في الآونة الأخيرة خرج قله من رجال الإعلام عن رسالتهم الإعلامية السامية وأصبحوا يؤدون في بعض الأحيان إلى تكهرب الأجواء بين اللاعبين والجماهير بما يكتبون او يعرضون بعنوانين بارزة في مقالاتهم والتي تحوى عبارات انتقام وثأر
- المدربون باعتراضاتهم الدائمة على قرارات الحكام وإظهارهم عدم الرضا عن التحكيم وأحيانا يتدخلون لسحب الفريق والتفوه ببعض الألفاظ أو الحركات التي تؤدى إلى شغب كبير في الملاعب وكثيرا ما يتم طردهم أو إنذارهم أو توقيع الغرامات المالية عليهم .
- رجال الأمن العام أو الحرس الخاص بالملاعب والأطباء ورجال الإسعاف :وقد اتسعت دائرة التعصب وشغب الملاعب لتشمل رجال الأمن والحرس الخاص لتشددهم الزائد في بعض المواقف البسيطة التي قد لاتحتاج إلى ذلك ، كما يتأخر الأطباء ورجال الإسعاف في إسعاف بعض اللاعبين بينما يسرعون في العلاج للآخرين وأحيانا ما ينطلقون لدخول الملاعب دون استئذان من الحكام ولأسباب تافهة كما قد يصرحون بمعلومات خطيرة عن إصابة احد اللاعبين أو المبالغة في تشخيص إصابة قد تؤدى إلى بلبلة بين صفوف مشجعي وإداريي هذا اللاعب
- المسئولون والقادة :كثيرا ما يطلب المسئولين الإعفاء والصفح عن مخالفين من المشاهدين أو اللاعبين أو المدربين بما يجعلهم أكثر اطمئنانا ويفكرون في الشغب أو العنف أو التعصب في المباريات التالية ولعل صدور حكم من المحاكم الانجليزية بسجن احد اللاعبين الدوليين لمده (3) شهور لضربه مدافع برأسه وإصابته إصابة خطيرة متعمدا يجعلنا نؤكد على ضرورة عقاب المخطئ من الإداريين واللاعبين والمشاهدين والحكام، ولو تم تطبيق القوانين التي تمنع الشغب في الملاعب ومحاسبة أي لاعب أو متفرج في مشاهد يخرج فيها عن الروح الرياضية لتوقفت في مصر كل مظاهر الشغب ، ولكن للأسف يتدخل كبار المسئولين في الأندية والمحافظات لطلب الإعفاء عن المشاغبين والمتعصبين من الجماهير واللاعبين .
- تسييس الرياضة :يعنى الاعتقاد الخاطئ لدى البعض باعتبار الهزائم الرياضية هي هزائم الكرامة للأمة وعزتها القومية وسمعتها الوطنية .
- التنشئة الاجتماعية :عدم تعبير الطفل عن نفسه وسيطرة الأبوين في المنزل وكذلك سيطرة الأخ الأكبر على الأخ الأصغر وجبروت سلطة المدرس في المدرسة وجميعهم هم الأمرين الناهين وما يقولونه هو الصواب ، لا لأنهم هم الأكثر علما ومعرفة بل لأنهم في موقع السلطة والنفوذ والمكان المناسب للشباب للتنفيس عن الكبت الذي يعيشون فيه بداية من المنزل ومرورا بالمدرسة والمجتمع هو الملعب والرياضة حيث يستطيع أن يعبر عن نفسه وبأسلوب يتسم بالفوضى والغوغائية من خلال التعصب وشغب الملاعب نتيجة الضغط الهائل الذي يمر به الشاب في حياته .
- السمات السلبية في الشخصية :هذه السمات منتشرة هذه الأيام حيث يتم إلقاء اللوم في حالة الفشل على الآخرين تهربا وعجزا ، ويكون حكم المباراة هو كبش الفداء وان اللوم عند الهزيمة يلقى على الآخرين ، فاللاعبون يلقون اللوم على الحكام والمدربون يلقون اللوم على اللاعبين والإداريين يحملون المدربين مسئولية النتائج السيئة وأخيرا فان الجمهور يعبر عن الإحباطات في الحياة اليومية بصب جام الغضب على الحكام أو الجمهور المضاد وأحيانا على المجتمع.
- الحلول والاقترحات
- ضرورة اقامة المؤتمرات والندوات التي يكون الهدف منها تعريف الجماهير بالقوانين الصحيحة للألعاب الرياضية ذات الاهتمام الجماهيري.
- أنه يجب على المعلقين الرياضيين أن يكونوا محايدين في تعليقهم من خلال الالفاظ التي يستخدمونها وان يلقوا الضوء على صحة موقف الحكم وصحة قراره، والاهتمام برفع مستوى وكفاءة التحكيم الرياضي.
- ان وسائل الاعلام لها دورا اساسيا ايضاً في القيام بهذه المهمة حيث يجب الابتعاد عن تأجيج الجماهير الرياضية، حتى تكون هناك ثقة كبيرة في الحكام، وان تهتم بشرح قواعد واصول اللعبة وان تهتم بالعمل على نوعية وتثقيف الجمهور رياضيا.
- العمل على ربط اواصر العلاقات بين اللاعبين والجمهور والاندية، وان تمارس دورها في التوجيه والارشاد للأفراد والنوادي والهيئات الرياضية وغير ذلك من نواحي القصور.
- إعداد قوات الامن المختصة بالتصدي لمثل هذه الاعمال، وتوعيتهم بكيفية التعامل مع أحداث الشغب والتعامل مع المشجعين بصورة إنسانية حضارية لائقة، واهتمام الاعلام بتوعية الجماهير ودعم التشجيع السلمي أثناء إجراء المباريات.
- نشر ثقافة التسامح والروح الرياضية والمصافحة قبل وبعد انتهاء المباريات وتنظيم المشجعين من قبل رابطة المشجعين الخاص بكل فريق والحث على تشجيع فرقهم بطريقة حضارية سلمية بعيدة عن الشغب والعنف.
- إتباع حملات منظمه و مستمرة لتوعية الجماهير ونبذ التعصب من خلال وسائل الإعلام المختلفة ولا بأس من استضافة نجوم الفرق المتنافسة معا في نفس البرنامج و إقامة الحوارات التي يسودها الود و إقامة مسابقات ترفيهية بينهم.
- إقامة محكمه رياضيه حياديه يتم اللجوء إليها عند أي خلاف بين الأندية بعضها البعض أو عندما تتظلم الأندية من أي قرار لإتحاد الكره.
- تجريم التصريحات التي تنتقد سياسات إتحاد الكره و لجنة المسابقات و الحكام والرد بقوه على أي لاعب أو مدرب أو مسئول يتفوه بتصريح من شأنه التأثير على الجماهير و إثارتها.
- الرد بقوه على أي شغب من الجماهير يحدث داخل الملاعب وذلك بحرمان النادي من جمهوره لعدد معين من المباريات على قدر الشغب وذلك لإجبار الأندية على التنظيم الجيد والعمل على منع العناصر المشبوهة من مثيري الشغب من دخول المباريات.
- العمل على حصر الأشخاص الذين يثبت تورطهم في أحداث شغب وتسجيلهم ومنعهم من دخول أي مباراة حيث أنهم في الغالب معروفون بل ويتم الاستعانة بهم من قبل البعض.
- قيام المنتديات و المواقع الرياضية بالإنترنت بمنع أي تعليق بعيد عن مضمون الخبر وكذلك منع التعليقات الغير لائقة و البعيدة عن الروح الرياضية.
- اعتماد هيئة تكون مسئولة على كافة المستويات عن تطوير اللعب النظيف (المكافآت والحوائز) وكذلك تهتم بإلغاء مظاهر العنف.
- يخصص جوائز للروح الرياضية للاعبين والحكام والمدربين والاعلاميين والجمهور والإداريين.
ويمكن توجيه هذه الحلول بالتخصص لكل من:
أولاً: الجمهور الرياضي
- يجب توفير القدر المناسب من الفصل بين الجماهير واللاعبين من ناحية وجماهير كل نادي ونادي آخر من ناحية أخرى، وتوفير عوامل الأمن والسلامة بداخل الملاعب .
- في المباريات ذات الدرجة العالية من الأهمية يجب عدم السماح بدخول الجماهير إلى الملعب بحجارة.
ثانياً: اللاعبون
- الاستفادة بعلم النفس الرياضي كأفضل وسيلة لتنظيم الشحن المعنوي والذي قد يتعرض له اللاعب في المباراة أو قبلها.
- عدم تدخل كبار المسئولين في دقائق التنافس في المباريات وكثرة اهتمامهم بالمباراة والنتيجة وحضورهم المباريات وتأثرهم بشكل ملحوظ بالأهداف والمهارات الفردية لبعض اللاعبين.
ثالثاً: الحكام
- صقل وتأهيل الحكام بكل ما هو جديد في مجال التحكيم.
- إعطاء دورات خاصة للحكام للتصرف في المواقف العدوانية التي يلجأ إليها اللاعبين والمدربين .
- عدم تصيد أخطاء اللاعبين أو التباطؤ في اتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
- قياس واختبار اللياقة البدنية لدى الحكام بصفة دورية وبما يضمن قيامهم بواجباتهم بنجاح .
رابعاً: الإداريون والمدربون
- مشاركة الإداريون في المسئولية عن المباراة وكذلك المدربين بالاجتماع معهم قبل المباريات وبحيث يشعر كل منهم بأهميته في نجاح المباراة وتحقيقها لأهدافها التربوية قبل تحقيق المكاسب غير التربوية.
- عدم استخدام الألفاظ النابية أمام الجماهير قبل المباريات أو خلالها أو بعدها .
- عدم قيام المدربين أو الإداريين بإدارة تصريحات استفزازية في الصحف قبل أو بعد المباراة حتى لو كان ذلك مطلبا لزيادة الدخل في المباريات
- قيام الاتحادات الرياضية باتخاذ القرارات الحاسمة دون تراجع مع المخالفين من المدربين والإداريين والحكام واللاعبين والجماهير وفق لوائح وقواعد المسابقات المختلفة مع الالتزام بالعقوبات الواردة في اللوائح والقوانين .
خامساً: الإعلام الرياضي
- استخدام العبارات الأقل إثارة في التحضير للمباريات .
- عدم التوقع بنتيجة المباراة مهما كان طرفيها واعتبار أن الفريق الضعف قادرا على العطاء في المباراة.
- عدم التحيز لفريق أو لاعب أو مدرب فالكل أمام الإعلام يخدمون الحركة الرياضية .
سادساً: رجال الأمن والنظام
- الاشتراك في الموقف في حالة طلبهم من حكم المباراة فقط .
- تأمينهم الملعب والمحافظة على الأمن من قبل المباراة بوقت كاف وبما يجعل تواجدهم خلال المباراة قليلا.
- إسناد بعض الواجبات الهامة لرجال الأمن الذين يرتدون الزى المدني .
- عدم استخدام التشديد الزائد في معالجة الأخطاء البسيطة .
- استخدام وسائل الأمن بدرجة عالية في المباريات التي تحتاجها وبحيث يتم معاملة كل مباراة حسب طبيعتها الخاصة.
أخوكم / حسام الدين حرب
عضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة