رخصة تدريب كرة القدم في غزة بين المهنية وإشباع الرغبات …

رخصة تدريب كرة القدم في غزة بين المهنية وإشباع الرغبات …

 غزة – محمود عاشور

كثيرة هي المهن التي يعمل بها الإنسان ويحتاج فيها إلى معرفة كافية بكل تفاصيلها ، خاصة إن كانت هذه المهنة تتطلب بحثاً مستمراً وجهوداً كبيرة وصولاً إلى درجة الإتقان ، ومهنة تدريب كرة القدم فن وموهبة في ذات الوقت ، ولا يمكن أن يتحقق هذا الفن بمعزل عن الموهبة المتأصلة في المدرب والتي تتطلب منه دراسة وصقل وممارسة ، وقدرة عالية على تسخير كل المهارات والقدرات والإمكانيات المتاحة بطريقة مناسبة عن طريق عدة عناصر أهمها التخطيط والإعداد والتنفيذ التي يجب أن يستحضرها المدرب دائماً ليحقق هدفه المنشود.

من الهواية إلى الاحتراف

لقد شهد العالم في عصرنا الحالي تطوراً متسارعاً في المجال الرياضي عموماً وتدريب كرة القدم بشكل خاص ، ويعتبر التدريب بصورته الحديثة  من المهام الشاقة ، فهو بحاجة إلى فكر جديد بشكل مستمر وإلمام بكل صغيرة وكبيرة ، كيف لا وقد وصل عن طريقه المدربين إلى قمة المجد الرياضي وأخفق  فيه كثيرون ، وقد أصاب هذا التطور رياضتنا الفلسطينية وطُبق على منظومة كرة القدم في قطاع غزة ، فانتقل بها من الهواية إلى الاحتراف وأقصد هنا الاحتراف العلني وليس المُبطن كما يدعي البعض ،وقد أَرغمت النهضة الرياضيىة خلال العشر سنوات الأخيرة المدرب الغزاوي في مجال كرة القدم ألا يعيش في جلباب الماضي والاكتفاء في قيادة وحدة التدريب على ما اكتسبه بالفطرة أو تعلمه من مدربه عندما كان لاعباً ، بل أفضىت به إلى أن يعيد البحث عن ذاته ومواكبة التطور ، فكان لزاماً عليه الحصول على رخصة التدريب الآسيوية في اللعبة بفئاتها المختلفة            ( C – B – A  ) لممارسة مهنة التدريب ، ولكن حصوله على هذه الرخصة لا يعني أنه أصبح قادراً ومؤهلاً للنجاح في التجربة التي يخوضها مع أي نادٍ دون توفر العديد من الإمكانات الفنية والقدرات الذهنية التي يمكنه من خلالها جني ثمار النجاح المطلوب.

دورات ورغبات مشبعة

اتحاد كرة القدم الفلسطيني في غزة تابع هذا التطور المحلوظ ، وأخذ بزمام المبادرة من أجل صقل قدرات وإمكانات الغالبية العظمى من المدربين القدامى والجدد ، وعقد على مدار عدة سنوات دورات تدريبية في كرة القدم على فترات متقاربة ، واستقطب نخبة من المدربين العرب والأجانب ممن يحملون درجة محاضر آسيوي فأعلى لتنفيذ هذه الخطوة الهامة التي ألقت بظلالها على اللعبة الشعبية الأولى في القطاع المحاصر ، فأصبح بعض المدربين الغزيين على معرفة جيدة بمصطلح التدريب ومختلف الجوانب التي تندرج تحته ، وباتوا يتمتعون بمهارات وقدرات واضحة لا حرج في الإشارة إليها ، ونالوا رخصة التدريب وارتقو بفرقهم إلى منصات التتويج ، في حين أن بعضهم الآخر بات همه الأول المشاركة في الدورات من أجل المشاركة تارة ولإشباع رغباته في أن يكون مدرباً تارة أخرى ، بعيداً عن المهنية والممارسة الفعلية لهذه المهنة التي تتطلب تركيزاً عالياً وقراءة ما بين السطور، والبحث عن كل جديد ،  ويبدو أن الحالة الاستثنائية التي يعيشها قطاع غزة على مختلف الأصعدة ومنها الرياضي وارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص العمل والحصار المطبق منذ ما يزيد على عشر سنوات ، قد كان دافعاً قوياً لهذه الفئة للالتحاق بدورات المدربين من أجل تأمين لقمة العيش.

مدربون بالجُملة

وحسب إحصائية رسمية من سجلات اتحاد كرة القدم الفلسطيني ، فقد وصل عدد المدربين الحاصلين على رخصة التدريب الآسيوية في غزة خلال الدورات التي أقامها الاتحاد والمعتمدين من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إلى 222 مدرب ، بواقع 196 مدرب فئة ( C ) و  5 مدربين فئة (B) و21  مدرب فئة ( A ) ، وهذه الأعداد الكبيرة مقارنة بالدول العربية على الأقل ، تعتبر بعضها عبئاًعلى الرياضة الفلسطينية التي تشكو شح الإمكانات والموارد المالية ، وبعضهم مُنح رخصة التدريب ولم يعمل بها ، وأصبحت مجرد ورقة معلقة على حائط البيت للزينة لا أكثر .

ظاهرة رياضية صحية

محمد العمصي عضو اتحاد كرة القدم ورئيس لجنة المسابقات يرى بأن الدورات التدريبية التي يعقدها الاتحاد والإقبال عليها ظاهرة رياضية صحية تخدم مستقبل كرة القدم في غزة ، ويعتقد أن المشاركة بها حق مكتسب للجميع للاستفادة من المعلومات التي يحصل عليها المتدرب خلال الدورة ، وأكد أن القطاع الرياضي سيكون بحاجة لمزيد من المدربين خلال الأعوام القادمة ، خاصة في ظل تحسن البنية التحتية الرياضية من ملاعب ومنشآت ، واستمرار جهود الاتحاد في عقد مزيد من البطولات الخاصة بفئات الناشئين والشباب وبطولات كرة القدم الخماسية والكرة الشاطئية ، وحث جميع الأندية على المشاركة فيها ، فكل فريق من الفئات السابق ذكرها بحاجة إلى جهاز فني وتدريبي ، ومن هنا تبرز أهمية الحاجة إلى مزيد من المدربين.

فجوة بين النظرية والتطبيق

د. حسام حرب الإعلامي الرياضي وعضو المجلس الأعلى للشباب الرياضة قال :” إن هناك فجوة كبيرة بين ما يتلقاه المدرب خلال المحاضرات النظرية في الدورة التدريبية وبين ما يتم تطبيقه في المستطيل الأخضر خلال المباريات ، وعلى الرغم من أهمية الشق النظري إلا أنه لا بد أن يكون مدعوماً بالخبرة والممارسة العملية ، فكل منهما يكمل الآخر ويصل بالمدرب إلى بر الأمان” ، وطالب حرب اتحاد كرة القدم بتفعيل قانون تصنيف المدربين العاملين في مختلف الدرجات ، فمدرب الدرجة الممتازة لابد أن يكون حاصلاً على رخصة تدريب ( A أو B  ) ، ومدرب الدرجة الأولى يكون حاصلاً على رخصة تدريب ( C ) كما هو مطبق في الضفة الغربية ، أما مدرب الدرجة الثانية والثالثة يكون حاصلاً على  أقل تقدير على دورة تدريبية مبتدئة ( D ) ، ويعتقد بأن تشكيل لجنة داخل اتحاد كرة القدم تسمى  ” لجنة المدربين ” على غرار لجنة الحكام من شأنها تنظيم العمل التدريبي وتفعيله لإطلاع كل من يحمل رخصة تدريب على كل جديد في مهنة التدريب.

تقنين عقد الدورات ووضع ضوابط

ويتفق نعيم السويركي مدرب اتحاد الشجاعية سابقاً والحاصل على أعلى رخصة في تدريب  كرة القدم   ( A ) مع محمد العمصي عضو اتحاد كرة القدم ورئيس لجنة المسابقات بأن هذه الدورات حق مكتسب للجميع وتعود بالنفع على المتدربين  ، ولكنه يرى أن على الاتحاد تقنين عقد الدورات التدريبية نظراً لعدد المدربين الكبير الموجود والمتزايد  في غزة ، ووضع ضوابط للمشاركة فيها ، مضيفاً أن هذه الدورات غيرت نظرتنا لعلم التدريب  ، وأمدتنا بمفاهيم وخبرات جديدة ساعدتنا في تصحيح مسار العملية التدريبية ، ولكن المشكلة التي نعاني منها كثيراً بأن المدرب يريد أن يقفز إلى قمة الهرم التدريبي مباشرة بعد اعتزال كرة القدم ، وتدريب فرق تلعب في الدرجة الممتازة حيث الشهرة الإعلامية والعائد المادي الجيد ، معتمداً على تاريخه كلاعب دون التدرج في العمل مع فرق الناشئين ثم مدرباً مساعداً مع مدرب ذو خبرة لينهل من خبرته ، ثم الحصول على الرخصة التدريبية التي تسمح له بالعمل مع الفريق الأول ، وهذا الأمر يجب أن تعيه إدارات الأندية التي تكون أيضاً سبباً في فشل المدرب وتحقيق نتائج سلبية لا ترضي طموح اللاعبين أو الأندية عن طريق توليته تدريب الفريق الأول دون تأهيل ، موضحاً أن حصول المدرب على رخصة تدريب غير كاف لممارسة المهنة ، ولكن عليه الاجتهاد في البحث عن كل جديد في علم التدريب والإخلاص في العمل ومساندة الإدارة والجماهير وكلها عوامل هامة لنجاح أي مدرب في لعبة كرة القدم ، ولفت الانتباه إلى أن بعض المدربين يتجهون للعمل في هذا المجال من أجل المال فقط دون البحث عن العوامل سابقة الذكر ، وإرساء أسس وركائز تدريب الناشئين لخلق جيل رياضي كروي قادر على المنافسة في الاستحقاقات العربية والدولية.

وعلى الرغم مما تعانيه الرياضة الفلسطينة بشكل عام ، أثبت المدرب الفلسطيني بما لا يدع مكاناً للشك بأنه صاحب بصمة واضحة وإنجازات نفتخر بها في كل زمان ومكان ، بدليل تتويج المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم عام 1999 بالميدالية البرونزية في الدورة العربية في الأردن في عهد المدرب عزمي نصار ، والتتويج بلقب بطولة كأس التحدي عام 2014 على يد المدرب جمال محمود ، والتأهل إلى نهائيات كأس آسيا 2019 في الإمارات بقيادة المدرب عبد الناصر بركات ، بالإضافة إلى ما حققه المنتخب من مراكز متقدمة خلال الأشهر الماضية على سلم ترتيب المنتخبات  فجاء السادس عربياً والسابع آسيوياً والخامس والسبعين عالمياً.

   

 

 

 

تعليقات (0)

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق